جائزة فلسطين

جائزة فلسطين

بقلم معالى الدكتور الحبيب المالكي، رئيس المؤتمر الرابع عشر للاتحاد و رئيس مجلس النواب في المملكة المغربية

في مبادرةٍ جديدةِ نُقْدِمُ عليها داخل اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإِسلامي، فَكَّرنا في إحْدَاثِ جائزة كبرى تحمل اسْمَ جائزة فلسطين للديموقراطية والعدالة التاريخية، وذلك في أفق تَصَوُّرِنا لآليات التواصل داخِلَ المنظمة وخارجَها، وخلق مناسبة رمزية إِعلامية للتلاقي حول القضية الفلسطينية وتَعَالُقِها مع قيم الديموقراطية وعدالة السرد التاريخي والإِنصاف الفكري والأَخلاقي للشعب الفلسطيني في نضاله الوطني من أجل حريته واستقلاله وبناء دولته الوطنية المستقلة.

من المؤكد أن الجوائز كثيرة في العالم اليومَ. كما أن الجوائزَ التي تُشكِّلُ نوعاً من اللعبِ الاجتماعي والإعلامي كثيرة، لكنَّ الجوائِزَ الكبرى المحترمة ذاتِ الرهانات النبيلة والمصداقية والالتزام الأخلاقي تظل قليلةً. وبالتالي فمن شَأْنِ إِحْدَاثِ جائزة وازنة في الفضاء الإسلامي، وبالخصوص داخل الحقل البرلماني الاسلامي تحمل إِسماً رمزيّاً نبيلاً وتُعبِّرُ عن قضيةٍ عادلة، أن تُلْفِتَ الانتباه – إذا ما وفَّرنا لها الشروط الاعتبارية والقانونية وربما المالية – إلى مختلف أبعاد القضية الفلسطينية، وضمنها قضية مدينة القدس ومركزها الديني والروحي وبالأخص المسجد الأقصى بكل ما يمثله في الوجدان العربي والإسلامي.

وإلى أن نُرْسِيَ قاعدةً قانونيةً وتنظيميةً لإحداث هذه الجائزة، يمكن أن أقترح على الأمانة العامة وعلى سائر أعضاء الاتحاد المُوَقَّرين إنشاء لجنة محدودة الأعضاء مختصة في هذا الأمر تضع مشروعَ قانون الجائزة وتصوراً لآليات ومساطر تدبيرها على أن تكون جائزة سنوية تُمنَحُ خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام متَى وأَنَّى كان انعقادُه.

ونَرى أن هذه الجائزة ينبغي أَن تتكون من ثلاثة فروع أساسية :

جائزة الاستحقاق الكبرى، ونتصور أَنْ تُمْنَح لشخصيات اعتبارية خَدَمَتْ وتخدم الأفق الرحب لقضية فلسطين العادلة، وتنتصر للشرعية الدولية ولمبادئ العدالة والسلم والصداقة بين الشعوب، سواء كانت هذه الشخصيات من داخل العالم الإسلامي أو من خارجه، أو كانت شخصياتٍ مسلمةً أو غَيْرَ مسلمة، أو كانت من الشخصيات البرلمانية أو غير البرلمانية من مسؤولي دولٍ وحكوماتٍ وأمناء منظمات أهمية دولية أو جهوية أو إِقليمية ؛ ولِمَ لا شخصيات فكرية أو إِعلامية أو أدبية أو فنية يتلاءم أفقها الإنساني والأَخلاقي مع رهانات ومحددات جائزتنا.

2- جائزة تقديرية، تُمنَحُ لشخصياتٍ موقَّرَةٍ من داخل اتحاد مجالس الدول الأَعضاء سواء من الرؤساء الذي تَحَمَّلوا ويَتَحمَّلوا ويَتَحَمَّلُون المسؤولية، على مستوى المجالس الأعضاء أو على مستوى تسيير منظمتنا ذَاتِها. ويمكن لهذه الفئة أن تتقدم بملفات تَرَشُّحِها أو يتم ترشيحها من الرئاسة أو من الأعضاء داخل المنظمة.

3- جائزة تشجيعية، تُخصَّص لأَعضاء متميزين من داخل المنظمة أو من خارجها، سواء تَعلَّق الأَمر بأمناء عامين على مستوى مجالس الدول الأَعضاء أو باحثين وباحثات أَسْهَمُوا بأبحاثٍ أو دراساتٍ أو مؤلفات تخدم آفاق الفكر الديموقراطي وتنهض بالممارسات البرلمانية في فضائنا الإِسلامي.

ويمكن لنظامٍ أساسٍ أن يضعَ المبادئ والأهداف العامة لهذه الجائزة الكبرى، ويُحدّدَ المقتضيات الضرورية ومختلف المواد القانونية التي تضبط محددات فروع الجائزة، ونوعية شهادتها وشكلَ دِرعها وقيمتها المادي أو الرمزية، وكذا آليات وشروط الترشّح والتَّرْشيح والتحكيم ومصادر الاعتمادات الخاصة بتنظيمها. كما يمكن لهذه الجائزة أن تُمنَحَ مناصفَةً لِفَائزَيْن أو أكثر – عند الضرورة القصوى – مثلما يمكن حَجْبُها عندما لا تتوفر الشروط الكافية أحياناً لِمَنْحِها.

إن الجائزة، أيُّ جائزةٍ، هذه أو غيرها، لا تُشَكِّلُ في الجوهر سوى آليةٍ رمزيةٍ للتعبير عن الاعتراف بالجميل لأَهْلِهِ، وتجسيدٍ أخلاقي لروح الامتنان لشخصياتٍ موقَّرة – من الجنْسَيْن، ومن مختلف الجنسيات والثقافات واللغات والأجيال – خدمت الحياة البرلمانية، وبالخصوص انخرطت سياسيّاً أو دبلوماسيّاً أو فكريّاً في الأفق النضالي والإِنساني للقضية الفلسطينية وضمنها قضية القدس الشريف كحاضرة روحية دينية وحضارية يتم اليوم السعي إلى تهديد وضعها القانوني والشرعي خارج كافة المواثيق والعهود والقوانين الدولية.

والجائزة، وهي تُمنح لهذه الشخصية أو تلك، فإِنما تصبح، فضلاً عن وظيفتها التواصلية الإعلامية، جزءاً من ذاكرة الأَفراد والجماعات، فَتُحَقِّقُ قَدْراً من الرضا عما قام به الفائز من أفعالٍ إِنسانية كريمة أو ما اتَّخذَه من قراراتٍ ومواقفَ منصفةٍ عادلةٍ اقتضت، ربما، بعضاً من التضحية والأَداء المُكْلِف.

وإن شاء الله تعالى، نَأْمَل لهذه الجائزة الانتظام والاستمرار حتى تؤدي رهاناتها النبيلة في خدمة العالم الإسلامي بما يمثله من جغرافيات وتاريخ وحضارة وثقافات، وفي دعم آفاق الممارسة الديموقراطية وخيارات الحرية والكرامة والعدالة والأمن والسلم والاستقرار في العالم المعاصر.

آخر الأخبار