بسم اللّه والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول اللّه.
أرحب بالسيد رئيس المجلس الشعبي الوطني، وبالسيد الوزير الأول، وبالسيد رئيس المحكمة الدستورية، وأرحب أيضا بالسيدات والسادة أعضاء الحكومة، وبالسيد رئيس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والأمين العام لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وأرحب بالسيدات والسادة رؤساء برلمانات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، كما أرحب أيضا بالسيدات والسادة البرلمانيين أعضاء الوفود، وبالسلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، وبالأسرة الإعلامية، وأرحب بجميع الحضور الكريم.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
ينعقد هذا اللقاء الهام، اليوم لأول مرّة في الجزائر، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وهو يأتي في مرحلة حسّاسة جدا؛ ينعقد في بلدنا الجزائر؛ جزائر أوّل نوفمبر، جزائر الشهداء؛ فلنا كلّ الشرف باستضافة هذه الدورة الـ 17 لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
حقيقةً، ينعقد هذا المؤتمر في مرحلة حساسة جدا، حيث تواجهنا تحديات كبيرة وخطيرة في نفس الوقت؛ فما هي مكانة العالم الإسلامي في هذا العالم اليوم؟
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
بوجودكم معنا اليوم في الجزائر، نتذكر أوّل نوفمبر، نتذكر التجربة التي عاشها الشعب الجزائري تحت استعمار استغرق 130 سنة، واستعمار الجزائر – كما تعلمون – يختلف عن جميع أنواع الاستعمار الأخرى، لأن استعمار الجزائر كان استعمارًا استيطانيًّا، هدفه إبادة الشعب الجزائري وتعويضه بشعب آخر أوروبي مسيحي.
إنّ تضحيات الشعب الجزائري أثناء الاحتلال والاستعمار من سنة 1830 إلى سنة 1962 بحكم الإبادة التي تعرّض إليها الشعب كانت جسيمة، وكان ثمنها بالنفس والنفيس باهظًا: أكثر من خمسة ملايين وأربع مائة ألف شهيد، والحمد لله انتصرنا في النهاية.
ولكن بماذا انتصرنا؟ انتصرنا بالوحدة، لقد توحّد الشعب الجزائري على كلمة واحدة وهي استقلال الجزائر واسترجاع السيادة الوطنية، وهذا ما نتمناه للشعب الفلسطيني اليوم؛ فالوحدة هي سبب النجاح وتحقيق النصر.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
لقد احتضنت الجزائر بأيام قليلة قبل انعقاد قمة جامعة الدول العربية في طبعتها الأخيرة المنظمة في الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر 2022، وبمبادرة من طرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وتحت رعايته السامية، اجتماعًا ضمّ كل الفصائل الفلسطينية، حيث التقى الإخوة الفلسطينيون هنا في الجزائر ووقّعوا على وثيقة "إعلان الجزائر" مساء يوم الخميس 13 أكتوبر 2022 للمصالحة، في ختام أعمال مؤتمر "لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية"، حيث وصف رئيس الجمهورية تلك اللحظة بـ "التاريخية"؛ وأضاف قائلا في كلمةٍ مقتضبةٍ بهذه المناسبة: "أتمنى عن قريب أن نرى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة الأركان في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس".
وأكّـد "إعلان الجزائر" على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني.
حقيقةً، الوحدة هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع الفلسطينيون الانتصار بها، كما انتصرت الجزائر في كفاحها ضد الاستعمار الغاشم.
ولقد توجت الدورة الـ 31 للقمة العربية المنعقدة بالجزائر يومي الفاتح والثاني من نوفمبر 2022، بـ"إعلان الجزائر"، الذي أكّـد هو الآخر على مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 جوان 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948.
إن القضية الفلسطينية تهم الجميع، وهي قضية تصفية استعمار ويمكن أن نقارنها باستعمار الجزائر لأنه استعمار استيطاني أيضا، وما تعيشه فلسطين في الوقت الراهن يتطلب منا كلنا أن نكون على كلمة واحدة وعلى موقف واحد حول الكيان الصهيوني.
نحن فخورون بموقف بلادنا الجزائر تجاه القضية الفلسطينية، والذي يُعتبر موقفًا واضحًا وثابتًا من البداية؛ وكلنا نذكر ما قاله الرئيس الراحل هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"؛ وفي الحقيقة فلسطين أبدا لم تَظْلِمْ، فمنذ أكثر من 70 سنة وهي مظلومة وهي تطالب فقط بحقوقها، وهنا يتجلى دور البلدان الإسلامية والبرلمانات الإسلامية والشعوب الإسلامية والعربية والمسؤولية الكبيرة التي تقع عليها، حتى تواجه هذه الوضعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
نحن في الجزائر ومن خلال هذا اللقاء البرلماني الهام الذي يجمع برلمانات عالمنا الإسلامي سنعمل ونسعى إلى جمع الكلمة ورصّ الصفوف للوصول إلى تحديد مواقف جامعة وملزمة لبلداننا الإسلامية تجاه القضية المركزية لأمتنا ألا وهي القضية الفلسطينية ومساندة ودعم الشعب الفلسطيني.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
إنّ الجزائر معروفة منذ البداية بمبادئها ومواقفها، أبدا لم نتدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بالأصدقاء أو الأشقاء، وفي نفس الوقت دائما ما نرفض التدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بنا، فالحقيقة أنّ كل بلد حرّ في مواقفه وهو الشيء الذي يجمعنا.
والسؤال المطروح على الجميع: ما هي انعكاسات مواقفنا على نضال الشعب الفلسطيني؟ هذا السؤال يُطرحُ علينا دائما، فعندما نجيب عليه سنجد أنفسنا كلنا في خندق واحد لمواجهة العدو الصهيوني ولنكن كلنا في جانب الشعب الفلسطيني.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
نعيش حاليا في بلادنا مرحلة من المراحل الهامة في تاريخ الجزائر، وقد حافظنا بالرغم من الأزمات والفترات العصيبة التي عاشتها بلادنا، وهي معروفة لدى الجميع، لاسيما فترة العشرية السوداء، حافظنا رغم كلّ ذلك على استقلالية قرارنا السياسي الوطني ومواقفنا الثابتة تجاه مختلف القضايا وهو ما مكّننا من الثبات على كلمة واحدة وموقف واحد في مختلف المحافل الجهوية والإقليمية والدولية.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
يتوجب علينا اليوم مراجعة بعض معالم سياساتنا الخارجية ومواقفنا المبدئية وبصفة خاصة المبدأ الذي اختارته الجزائر، مثلها مثل كثير من البلدان العربية والإسلامية، ألا وهو مبدأ عدم الانحياز الذي يحتاج إلى مراجعة، ويبقى على هذا المبدأ أن يكون بمثابة أداة تُسهم في الحوار وتحقّق التقارب بين شعوب بلداننا التي اختارت هذا النهج، لكن على شرط أن نبقى أحرارا في مواقفنا السياسية دون تأثير من أي كان، فمبدأ عدم الانحياز يحتاج أيضا إلى التفاتة في هذا الجانب من قبل تنظيمنا البرلماني الذي نجتمع اليوم تحت لوائه لمواجهة التحديات التي تنتظرنا وهي كثيرة، ونحتاج إلى تضامن مع الجميع، وكذا التفاهم بشأن ما هو متفق عليه، وكذا العمل على جانب الخلافات الموجودة وتسويتها، هذه الخلافات تسوى من خلال الحوار الصادق من أجل وحدة الصف، والجزائر مستعدة للإسهام في هذا وفي كل مكان سواء في عالمنا الإسلامي أم العربي أم الإفريقي.
وبالمناسبة نحيي رئيس البرلمان العربي الموجود معنا كضيف شرف، كما نحيي أيضا رئيس البرلمان الإفريقي الحاضر معنا وهو الآخر ضيف شرف.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
إنّ العالم المسمى بالعالم الثالث يجب أن يسترجع هو الآخر مكانته، وتأثير البرلمان الإسلامي والبرلمان الإفريقي والبرلمان العربي يجب أن يكون ذا صوت مسموع على مستوى هيئة الأمم المتحدة، هذه الهيئة التي تتكون من دول، أما البرلمانات فهي مكونة من ممثلي الشعوب، وما هو صادر عن هيئة الأمم المتحدة يحتاج أيضا إلى إعادة نظر، وهي نقطة مطروحة وذات أهمية، ولأن هيئة الأمم المتحدة ممثلة دول العالم فيجب على الاتحاد البرلماني الدولي أن يكون هو ممثل الشعوب، ولهذا يجب أن تكون له كلمة على مستوى هيئة الأمم المتحدة.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
كانت هذه بعجالة كلمة الجزائر الجديدة التي يُرسي معالمها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون وخطُّهَا الواضح والثابت في الوقوف إلى جانب القضايا العادلة في العالم وفي مقدمتها القضية المركزية لأمتنا الاسلامية، فلسطين؛ ويد الجزائر ممدودة إلى جميع الأشقاء والأصدقاء في هذا الاتحاد الذي يجمع مجالس البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي للإسهام في جمع الكلمة ورصّ الصفوف وتوحيد الجهود والمواقف لمواجهة التحديات ومجابهة رهانات العصرنة والتنمية، وهو الشعار الذي توسمت به دورتنا الـ 17 لمؤتمر مجالسنا البرلمانية.
مرة أخرى أقول لضيوفنا الكرام: حللتم أهلا ووطأتم سهلا إلى الجزائر ومرحبا بكم جميعًا في بلدكم الثاني الجزائر؛ نتمنى لكم إقامة طيبة بيننا، وكلّ التوفيق لأشغالنا.
نحن ننتظر الكثير من هذا اللقاء، ليس فقط بصفتنا مسؤولين، بل لأن الشعوب الإسلامية بدورها تنتظر من مثل هكذا لقاءات ومؤتمرات، قرارات ومواقف تستجيب لنداءاتها وآهاتها وطموحاتها المشروعة.
تحيا الجزائر، يحيا العالم الإسلامي، المجد والخلود للشهداء الأبرار في كلّ بقاع عالمنا الإسلامي، وبصفة خاصة شهداء فلسطين والجزائر، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.