ينم العنوان عن هواجس تتقاسمها أمم اليوم، ويفصح عن هموم ترغب في تحقيقها الشعوب الراهنة، ترسلها عبر محاولات يبادر بها من حين لآخر ممثلوها في المؤسسات المنتخبة بعامة، والبرلمانية منها بخاصة .
هي دوافن تتجلى للعيان كلما أتيحت لها فرصة للتنفس بملء الرئتين تعبيرا عن الرغبة الملحة في بناء جسور التواصل، ومد سبل التقارب، وتعميق أطروحات الانسجام والتناغم ، فالتجانس، كسرا لحواجز وهمية ، ظلت تصطنعها، وترعاها قوى ظالمة للحيلولة دون تحقيق مبتغى الشعوب ورسالة ممثليها على الخصوص في العالم العربي والإسلامي.
العالم الذي يتزايد ضغط أعدائه عليه، الذين يسهرون على زرع الأشواك في دروب تقاربه، وإيقاظ الفتن بين أعضائه لإدراكهم أنه لا شيء يعكر صفوه، ولا هناك ما يزعج تماسكه إن خلوا سبيله، ذلك أن كل عناصر مكوناته مرتكزات تجمع أطرافه وآليات تلم لحمته، وميكنزمات تكفل تكامله وشروط تضمن تعاضده، وتؤنس تآزره.
ذلكم هو الموضوع الذي يؤرق البرلمانات الوطنية والبرلمانات الجهوية والإقليمية والقارية، التي أوجدت لها لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية للمجلس الشعبي الوطني الجزائري فضاء تلتقي فيه ووفرت لها مناخا مواتيا، وجوا مناسبا، ومنبرا حرا في شهر يناير 2011، لتتناول من خلاله إشكالية تعزيز الروابط وآفاق التعاون فيما بينها بالمدارسة والتحليل والتعليل، من أجل الوصول إلى ما تصبو إليه الشعوب من أمن وسلام ورخاء، في كنف عالم مدني يسوده الحب والإخاء والوئام والتصالح بين تكتلاته وجماعاته وأطرافه.
إن هذه السانحة التي حضرها الدكتور/ محمود إيرول قليج أمين عام اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وألقى كلمة مثيرة ومميزة أكد فيها إلزامية تكثيف الجهود ومضاعفة المساعي تطلعا إلى إنضاج أكثر، وتطورٍ أشمل بهدف تفعيل مجالات دور المجالس النيابية وإعطائها متنفسا أقوى في تأدية المهام الموكولة إليها شعبيا، المنوطة بها اجتماعيا، والواقعة على عاتقها اقتصاديا .
إن إثارة مثل هذه المواضيع في مناخ حر تدعو بالضرورة إلى فتح النقاشات والتعميق في طرح محتوياتها ، وحول أبعاد دلالاتها ، لما لها من أهمية بالغة بل مصيرية، وطنيا وإقليميا وقاريا ، تأسيا بنماذج أثبتت نجاعتها، مثلما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وإن لقاء نخبة من الاخوة الأشقاء القياديين في الهيئات التشريعية العربية والإسلامية في مثل هذا الموعد، فإنه بقدر ما كان لافتا للأنظار، حري به أن يعطي الانطباع، أن الإرادة متوفرة والعزيمة قائمة، الأمر الذي يضفي ارتياحا في أن التفكير مستقبلا في تكرار التلاقي في إمكانه أن يعزز التعاون، ويوثق الروابط، ويدعم تبادل الخبرات، التي من شأنها أن تطعّم تقارب وجهات النظر الاستشرافية، بل تطابقها، ليس في التشريع فحسب إنما في مختلف الميادين ، حتى يُتسنى للبرلمانات إمكانية الوقوف في وجه التحديات والرهانات التي صار يفرضها بصفة الإذعان وضع عام لمجتمع دولي يتغير وعصر يتطور.
وما الاحتكاك المستمر والتقارب الدائم، وتبادل الآراء والخبرات والتجارب بسخاء إلا المثل الأعلى لتخطي كل العقبات التي ما فتئت تحول دون إقامة شراكة وإحاكة نسيج له من المقدرات ما يستجيب لتطلعات الشعوب، واهتماماتها في شتى مناحي الحياة.
إنه الانتقال من حالات التنافر إلى العلاقات التكاملية التي في وسعها أن تطور المنظومة التشريعية إن وطنيا، وإن إقليميا، وإن قاريا، مما يسهل عملية الانتقال من طور إلى طور، وذلك بما يعود على البشرية جمعاء بالرخاء والرفاه، والعدل والمساواة في عالم كثرت فيه مظالم الآدميين للآدميين وازداد حيف أقويائه على ضعفائه.
إن ما يستحق التنويه به، وتجدر الإشارة إليه هو صدق النبرة التي أجمع عليها المشاركون في هذا المحفل الدولي الهام، والتي مفادها أن البحث في صلب اهتمامات الشعوب من طرف ممثليها، يعكس بصدق الدور المرجو من المؤسسة التشريعية الحديثة متعاونة ومتضامنة، نظرا لتعاظم دورها مع الأيام كونها الواجهة الحقيقية التي يُرى من خلف زجاجها مضمون هموم وانشغالات الجماهير الشعبية صاحبة الإرادة في تنشئتها، ومصدر إلهامها، والتي تستمد منها قوتها وجدوى مفعولها.
ذلك أن عالمنا الحالي بات قرية صغيرة، نظرا للتجاوز التكنولوجي للحدود وعبور الكثير من القضايا الأقاليم والدول والقارات دون سابق إنذار، سواء تلك التي تطرح نفسها تقدما علميا وتطورا تكنولوجيا ، أو تلك التي تفرض نفسها معضلات إنسانية مثل الإرهاب، والاحتباس الحراري ، والحروب الاستباقية، وتلوث البيئة وما إلى ذلك .
إن المتتبع لأشغال هذا الملتقى الدولي التشريعي الحر، ينبري إلى القول: إنه لابد من جعل نتائجه أداة فعالة ووسيلة صارمة تؤهل الدبلوماسية البرلمانية، والعمل النيابي إلى تحيين العلاقات وعصرنتها، وجعلها في خدمة الشعب تقنينا ورقابة، وكرامة مجسدة في الواقع الحي .