عندما حُطِّم تمثال بوذا في أفغانستان قامت الدنيا ولم تقعد وانبرى الحكام والعلماء والغرب والشرق والشمال والجنوب منددين بما حدث لبوذا بل ذهب البعض لنظم شعر فيه وأنه من الآثار النادرة التي يجب الحفاظ عليها وعدم المساس بها ، وتجمع العالم كله على قلب رجل واحد في موقعة كبيرة دفاعاً عن بوذا وتاريخه وحقه في الوجود .

وقد سمعنا استنكارًا شديدًا من كلِّ المؤسسات الدولية دون استثناء لهذه الفعلة بل الجميع كان يتسابق ليكون له السبق في إدانة هذا العمل، كل ذلك دار بخلدي وأنا أتابع ما يحدث من ممارسة وحشية وهمجية من جانب الصهاينة ضد مقدساتنا،ومحاولة تهويد القدس وضم المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال إلى الآثار الصهيونية، لكن شتان بين ما حدث مع بوذا وما يحدث مع الأقصى ، فمع بوذا ظل العالم واقفاً على رجليه شجباً واستنكاراً، أما ما يحدث لثالث الحرمين الشريفين والاعتداءات التي تتم ليل نهار فلاتسمع حتى همسا وقد صدق الشاعر حين قال:

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي برغم أن الاعتداءات الصهونية التي تتم تحت مسمع ومرأى من العالم ضد مقدسات وآثار إسلامية في مقدمتها القدس الشريف والذي ما هو إلا كمكة في مكانتها وأهميتها بالنسبة للمسلمين الذين زادوا عن مليار ونصف مليار من البشر ، إلا أن العالم وكأنه لايسمع ، لايرى، لايتكلم .

وتساءلت كثيراً لماذا هذا الكيل بمكيالين من جانب العالم الغربي ونحن نمثل ربع العالم من حيث حجم السكان ؟ فتمثال أياً كانت مكانته تقوم الدنيا ولاتقعد من أجله، والقدس بحجمه ومكانته وكأن العالم صمت صمت القبور، لكن سرعان ما أتت الإجابة التي بددت حيرتي وأبطلت عجبي والمتمثلة في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لصحابته والذي قال: "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قلنا: أوَمِن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من قلوب أعدائكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" ، ساعتها قلت صدقت يارسول الله فلقد ملأت الدنيا بالفعل قلوبنا فخسرنا الدنيا والآخرة ، وقد هن على أنفسنا فاستهان بنا غيرنا .
فبالأمس كان الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، واليوم التجهيز لهدم المسجد الأقصى وما هم ببالغيه بإذن الله، وكأني بالقدس ينادينا ، فتحني عمر وحررني صلاح الدين فمن لي الآن ؟ لك الله يا قدس .

إن عتمة الليل لابد لها من بزوغ الفجر وإن الفجر آت لامحاله، والله الذي لا إله غيره لايخالجني شك في أن النصر قادم .. قادم لا محاله بنا أو بغيرنا فالله عزوجل قد قرر ذلك من فوق سبع سماوات بقوله : ?إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51)? (غافر) ?وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)? (الإسراء).
ويقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

لكن المبشرات هذه لاتعني أننا نركن إليها ولا نتحرك ونظل صامتين على ما يحدث من انتهاكات وممارسات همجية من عصابات صهيونية إلى أن يكتمل مخططهم في تهويد القدس وتغيير معالمها، فعلينا نحن البرلمانيين دور كبير في تحريك الشعوب واستنهاض هممها والعمل على توعيتها بما يحاك ضدها ، وإصدار تشريعات تمنع إقامة أية علاقات مع الكيان الصهيوني وتجرم ذلك كما حدث من البرلمان البحريني، والضغط على برلمان الاتحاد الأوروبي والكونجرس والبرلمانات الغربية لاتخاذ مواقف حيادية .

وهنا لابد وأن أوجه تحية إجلال وإكبار إلى القيادة التركية وعلى رأسها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لمواقفه المشرفة والمضيئة تجاه القضية الفلسطينية، ونتمنى أن تحذو جميع القيادات حذوه.
وإن غداً لناظره قريب.

الدكتور الشيخ عبداللطيف أحمد الشيخ
رئيس كتلة المنبر الوطني الإسلامي
وعضو مجلس النواب بمملكة البحرين