إن اختيار الجزائر لاحتضان الدورة السابع عشرة (17)، بقدر ما نعتبره تزكية ووسام شرف وتقدير، فإننا نرى فيه حسن انتقاء، وحسن اصطفاء. الجزائر التي ما عودت الأحرار والصادقين، إلا على الموقف المبدئي والكلمة الرسالية، والإرادة الطيبة الصادقة في كل ما يَحزُبُ الأمة الإسلامية بوجه عام. ولهذا لن تروا من الجزائر إلا حقا، ولا تجدوا منها إلا صدقا، كما كانت من قبل حافظة للوعود، خادمة للعهود، رافعة ودافعة للبنود.
قد يخطئ بعض الدارسين وبعض المحللين حين لا يستطيعون ان يتصوروا وجود علاقة ما، على شيء من الأهمية بين مؤسسات برلمانية وبين أنشطة تنموية ثقافية اقتصادية وتجارية منتجة للثروة والمال. ولهؤلاء عذرهم إذا تعلق الأمر بـ«الطبعات القديمة» و«النسخ» التقليدية لهذه «البرلمانات» التي كان يغلب على آلياتها ومؤسساتها الفرعية المساعــــــدة، طابع «الطرح الأيديولوجي» الذي لا يتجاوز الفكرة، ولا يعبر حدود الاقتراح غير الملزم. ولكن عندما نلقي نظرة متفحصة دقيقة على المحور القيمي، والمجال الجيوسياسي، والفضاء الجيواستراتيجي، الذي يمكن لبرلمانات الدول الإسلامية أن تتحرك فيه أو أن تثيره، أو تطمح اليه، نجد أن لديها من الإمكانات ما يؤهلها لكي تكون محورا مُستقطِبا، وليس هامشا مُستقطَبا، وذلك من خلال تفعيل «سلطة الاقتراح» بالتنسيق مع مؤسسات ميدانية منتجة للثروة.
والذي يساعد على كل هذا هو ما نشهده من بداية تفكك المحاور القديمة، ونشوء محاور استقطاب جديدة، تملك المال والثروة والسلاح، ذات رغبة قوية في «إعادة تنظيم العالم» وخلق «خرائط جديدة» بما يضمن لمصالحها الاقتصادية والإيديولوجية البقاء والتمدد، والنماء إن أمكن ذلك. والشواهد الميدانية كثيرة لعل أهمها، «فيروس كورونا» بكل ما شهده من توظيف سياسي من خلال قراءات غير بريئة، والحرب الروسية /الأوكرانية، التي جعلت أوروبا القديمة في عين الاعصار، إضافة الى خلخلتها للترف الأوروبي ورفاه الشمال، الذي يعتبر عند المنتفعين به ومنه خطا أحمر.
وأخيرا القمة العربية/ الصينية، بمعنى أن الكتلة المالية والموقع الاستراتيجي، قد «شرّق» منسقا مع التنين المستيقظ. كذلك القمة الأمريكية/الإفريقية التي تهدف الى تعويض خسائر جيواستراتيجية وإقتصادية محتملة في الشرق الوسط.
إن هذه التغيرات المحورية العميقة، لتجعل إتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أمام حتمية البحث عن» تموقع» مريح لجميع أعضائه، أو بناء قطب على محور أرخبيل أندونيسيا/ المحيط الأطلسي، كما خطط لذلك ونظّر فيلسوف الحضارة «مالك بن نبي». ونقترح له نحن من جانبنا اسم « الايلاف الإسلامي»،الذي يمكنه أن يجعل من فضاءات الآخرين سوقا رائجة ليس لمنتوجاته الاقتصادية فحسب، وإنما لمنتوجاته القيمية والثقافية، إذ أنه يتوفر منها على أكبر خزان قيمي لا ينضب أبدا، وهو الرسالة الإسلامية بقيمها الإنسانية الخالدة. وبإمكان محور «الأرخبيل/ الأطلسي» أن يحول هذه القيم الى منتوج ثقافي وفني يكتسح به المجالات الإنسانية الأخرى، في ظل هذا العطش الروحي المريب الذي تعاني منه الإنسانية جمعاء.
كما أنه بإمكان الاتحاد أن يكون «جامعة إسلامية»، من حيث دورها في ربط الطاقات الإسلامية وتنميتها وتزكيتها وتعريفها ببعضها بعضا، خاصة إذا علمنا ان «المادة الرمادية» التي تمول العالم بالأفكار والابداع نصفها مسلمة أو تكاد، لكن جلها يعيش الشتات وحالة التيه، في دول تحسن الاستثمار في المواهب والكفاءات الإنسانية، غير آبهة بدين أو عرق أو مذهب أو جهة، كما هو حاصل في كثير من الدول الإسلامية مع الأسف الكبير. فما الذي يمنع هذه الهيئات التمثيلية الشعبية، أن تمد روابط التعاون وأواصر التنسيق مع آلاف التنظيمات والهيئات والمؤسسات الثقافية والعلمية المنتشرة على هذا المحور، كي تشتغل على تاريخنا المشترك القديم، وتستغل أحاديثه وأحداثه، وتعيد بعثها في قوالب فنية ذات مضامين إنسانية. وإن أمريكا قد حققت حضورها العالمي بـ«هوليوود» قبل أن تحققه بـ«المارينز»و الـ«B 52»، ولنضرب في هذا أيضا مثلا بسلسلة «هاري بوتر»للكاتبــة البريطانيــــة «ج ك رولنج» فإنها في مداخيلها المادية قد فاقت بئر نفط. وليس صعبا على برلمانات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أن تولي الاقتصاد بالغ اهتمامها، وهي تسعى سفيرة خير ونوايا حسنة بين الدول، فتفتح آفاق الإنتاج المشترك، من خلال تعريف الجهات المنتجـــــة «مقاولات او شركات» بعضها ببعض، وتسهيل إمكانيات تنقل الخبرات ورؤوس الأموال، بالتنسيق مع الجهات الوصية والمتخصصة طبعا، لأنه من غير المنطقي أن تبقى قدرات الأمة الإسلامية في بنوك أعدائها. وإن نشاطا كهذا لكفيل بأن يحرك آلية اقتصادية فوق ما يتصور الجميع، من خطوط جوية وبحرية، وحركة سياحية منتعشة، بما يضمن تنمية نامية مستدامة. وهذا كله يتم في إطار واضح من الشفافية التي تحترم كثيرا من الخصوصيات التاريخية والسياسية والمذهبية لهذا البلد او ذاك. لأن الاختلاف رحمة، كما ورد في الأثر. وإن الجزائر التي تحتضن الدورة السابع عشرة «17» لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تسعى جاهدة من أجل ترسيخ هذه «الحركة التكاملية» في أي مسعى ديبلوماسي تتبناه، أو تقوم به، أو تراهن عليه. فهي لا تؤمن بالفصل بين ما تقوم به من مساع، خاصة في هذا العصر الذي تمكنت فيه وسائل الاتصال من الغاء الحدود والمسافات، بل من الغاء الزمن.
الجزائر تؤمن بالعمل الميداني، وبالتطبيق الميداني، لكل ما يتم الاتفاق عليه على بياض الأوراق، أو مسوداتها في الاجتماعات المغلقة.
محمد يزيد بن حمودة- نائب فى المجلس الشعبى الوطنى الجزائرى
عضو اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي